الجمعة، 13 ديسمبر 2013

الحياة العلمية والثقافية في أيام اليعاربة




ومن الجدير بالذكر أن الأئمة اليعاربة رغم أعباء المسؤولية الجسيمة وانشغالهم بجهاد المستعمر البرتغالي الذي يحتل أرضهم .. لم يشغلهم كل ذلك عن قامة المدارس ودور العلم والثقافية وتشجيع المعرفة .. وفي ذلك يحدثنا حميد بن محمد بن رزيق في كتابه الفتح المبني بان بلعرب بن سلطان بن سيف اليعربي كان يقال له ابو العرب لكرمه الزائد وهو الذي عمّر يبرين ونصب مدرسة للعلماء والمتعلمين رغّبهم ببذل المال وأكل الفواكه . فنال العلم بكرمه الطلبه فغدا من كان متعلماً فقيهاً عالماً ومن كان لا أديباً شاعرا ًمتصرّفاً بالعربية . ثم أنه يذكر لنا أسماء جهابذة العلماء الذي زخرت بهم الدولة اليعربية كالشيخ خلف بن سنان الغفاري – والشيخ سعيد بن محمد بن عبيدان وغيرهم جملة من الأدباء . وصاروا أدباء بكرمه كالشيخ راشد بن خميس وغيره.
ويروي المؤلف أن بلعرب أنشأ كثيراً من المدارس في عُمان لكنه خص مدرسة يبرين بالذكر لانها تعتبر بمفهوم عصرنا جامعة كبيرة ففيها يدرّس الفقه والنحو والصرف .. وغير ذلك من العلوم التي ساعدت على نشر الثقافة والعلم وتخريج العلماء والقضاة وعلى العموم فإن عصر الدولة اليعربية عصر لا يختلف عليه إثنان على أنه من أزهى وأزهر وأرقى العصور ثقافة وعلماً وأدباً في هذه المنطقة. ونحن حينما ندرك المستوى الثقافي الرفيع الذي عاشه شعب الدولة اليعربية في ذلك العصر والذي ألمحنا اليه قبل قليل عندئذ لا نستغرب أن يفرز مثل ذلك المجتمع الواعي المتألق بعلمه وثقافته وطموحه شاعراً فذّاً كبن ظاهر في خصائصه وميزاته.


مستوى الشاعر الثقافي :


إنه لأمر طبيعي لان يكون مستوى الشاعر مرآة صادقة لصورة مجتمعه في شتى مناحيه وعلاقاته وابرز ما يكون ذلك في علمه وثقافته . إذ يعبر مستوى الشاعر عن مدى ما وصل اليه ذلك المجمتع من علم وأدب وثقافة . والمستعرض لاشعار ابن ظاهر يقف مبهوراً أمام ثقافته الواسعة التي مكّنته من تصريفها في أغراضه الشعرية كما يشاء . فتعجب حين تقرأ له الأمثال المبتكرة والحكم النادرة والوصف البديع والمعاني العميقة يتوج ذلك اسلوب رفيع ولفظ جزل بديع وسبك رصين لا يقل في مستواه عن الفصحى لولا تساهل في النطق وتجانف عن الاعراب فهو يصدر منه عن فطرة مصقولة بالعلم ويؤاتيه عن طبع شحذته التجربه . فاذا أرجعته إلى أصله الفصيح وجدته الشعر السليقى المتمكن . واليكم المثال يقول ابن ظاهر مبتدئاً إحدى قصائده :
يقول الفهيم المايدي بن ظاهر ** والأمثال تسعفني بنايا قصوره
فلو أنك أردت ان تقراً هذا البيت باللغة العربية الفصحى لأمكنك ذلك دون إخلال بالوزن,
فتقول :
يقول الفهيم الماجدي ابن ظاهر ** والأمثال تسعفنى بناء قصوره


والقارئ الفطن لشعر ابن ظاهر يراه قمة في لغته الشعرية وأسلوبه البياني قريباً جداً من الشعر العربي لولا ما ذكرنا آنفا من ابتعاد عن قواعد اللغة وتسامح في النطق حسب ما تقتضيه اللّهجة العامية بعكس ما قرأناه من الأشعار العامية التي تلت عصر ابن ظاهر إذ أن الفارق بينهما وبني
الفصحى بعيد الشأ وواضح المعالم. وفي قصيدة اخرى له نجد اكثر من خمس عشرة بيتاً أقرب إلى الفصيح وهاكم الابيات :
نقا جوهر غالي في المسام ** بالأثمان كم ظال منها الظويل
قماش منقا بقطن موقا ** وشي تبقا قليل المثيل
تغالي التجار قماش الغزار ** والأزياء ما في شراها حجيل
وأثمار لاشجار حلو وذوق ** وفيها رزايا ودوح ظليل
والأنهار تجري بخبث وطيب ** عيون تجارى وهذاك غيل
ولفظ الأنام حلو ومر ** ولا الشري منها شرى السلسبيل
والناس أجناس بخيل يذم ** كريم يحيا ونذل بخيل
والأرض تعرا ويكسى عراها ** من الغيث أصناف ثوب جميل
لفاها طروق مشع البروق ** تمج الشدوق سحاب هطيل
هروق يروق ويحيى العروق ** تولوه أملاك نعم الوكيل
لها الرعد زاوي وشرتا زغاوي ** فهاج بكاها رميج الخليل
سرى بيهم هرج بكي وضحك ** وشمت المواشي وجهل الخليل
تطيب المفالي من أول وتالي ** وطاب الزلال عمار النخيل
وطهى نضالا بشوي وطبخ ** مقات الضعاف وطعم السبيل
لذيذ طعامه وحلو جناه ** تولوا حصاده بوزن وكيل
ولفوا عراها بقمصان خوص ** وعادت إمّاته إلى الدور حول
تنحوا وكل مضى في هواه ** عن الدار وانو ولشد الرحيل
تنحيت لي مثل غي السراب ** ومذ ضل عقلي تركت الصميل
ويوم دنا الشيب ولى الشباب ** أناخ ركاباً وحث الرحيل
دهاني المشيب بدولات حرب ** وهجن خطتها ملابيس خيل


من هذا المنطلق نرى ان ابن ظاهر قد كان على الجانب كبير من العلم والثقافة . ولو كان الشاعر خلواً منهما لما استطاع ان يأتي بهذه الدرر الثمينة والنفائس الكريمة التي خلّدها التاريخ على مدى ثلاثة قرون من الزمان تتداولها ألسنة الناس أمثالاً وأوصافاً وحكماً.
ودليل آخر يسند ما ذهبنا إليه من ثقافة الشاعر. وهو تنقلاته الكثيرة في أرجاء المنطقة رغم صعوبة المواصلات آنذاك .. والتي مكّنته من الاطلاع على ثقافات الآخرين .. فتأثر بها وتفاعل معها واكتسب بحكم هذه اللقاءات الكثيرة ثقافة وتجارب قيّمة مفيدة في هذه الحياة.
ولا نستبعد ان يكون ابن ظاهر قد نظم الشعر العربي الفصيح أيضاً وان كنا لم نقف له على شيء من ذلك .. إلا ان ما يمتاز به ابن ظاهر في شعره الشعبي من ملكات لغوية ومعطيات ثقافية وتصريف بياني بديع ومعان قوية عميقة تجلعنا لا نستكثر عليه نظم الشعر بالفصحى . ونحن حينما نقول بذلك فانما نستنتج رأينا هذا من قراءتنا لجواهر أشعار ابن ظاهر وعظيم آثاره . وإن كنا لا نملك الدليل المادي عليه إلا انه إحتمال تطمئن اليه نفوسنا ويميل اليه فكرنا .. فضلا عن ذلك فان ابيات ابن ظاهر في الشعر النبطي لا تكاد تبتعد عن الشعر العربي الفصيح ذلك البعد الذي يمكن ان يوجد بين العامية والفصحى .. وإنما هي قريبة الشبه به إلى حد ما من نواح كثيرة.




7- الشيخ خميس بن راشد الرويشدي الضنكي عاش في القرن الحادي عشر وكان أحد العلماء الذين عقدوا البيعة للإمام ناصر بن مرشد اليعربي
8- الشيخ أبي يعقوب محمد بن ربيعة بن زيد المربوعي كان أحد علماء الدولة اليعربية البارزين أدرك عصر كل من الشيخ الإمام بلعرب بن سلطان وأخيه سيف بن سلطان
9- الشيخ الوالي سليمان بن محمد بن ربيعة بن زيد المربوعي عالم فقيه عاش في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر كان أحد العلماء الذين اجتمعوا لعقد الإمامة لسلطان بن سيف بعد وفاة أبيه وقد عينه هذا الإمام واليا على مدينة نزوى
10- الشيخ خنجر بن علي بن غفيلة الغفيلي عاش في القرن الحادي عشر في عهد الدولة اليعربية
11- الشيخ عثمان بن علي الشكري عاش في القرن الحادي عشر الهجري في ظل الدولة اليعربية
12- الشيخ صالح بن سعيد بن أحمد بن صالح عاش في القرن الثاني عشر الهجري وأدرك أواخر الدولة اليعربية
13- خلف بن محمد بن خنجر بن سعيد بن غفيلة الغفيلي عاش في عصر أواخر الدولة اليعربية في القرن الثاني عشر للهجرة وكان يعيش في ولاية ضنك




14- الشيخ الفقيه الرضي نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني الضنكي :


أحد أعلام عمان البارزين في فترة عصر اليعاربة والذي كان له وأسرته دور بارز في توحيد عمان في عهد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ( 1624 - 1649 ) .
وبداية أعتذر عن هذه المعلومات المختصرة التي سوف أقدمها لكم لأنه وكما أظن هذه أول ترجمة لهذا العالم ولم أطلع على أي ترجمه له إلا على ترجمة مختصرة وضعها الشيخ المؤرخ سيف بن حمود البطاشي رحمه الله في كتابه الإتحاف .


· اسمه ونسبه :


هو الشيخ الفقيه الرضي نعمان بن زاهر بن سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود بن فيلان الفيلاني الضنكي.. ينتسب إلى قبيلة بني فيلان.. تلك القبيلة التي كانت تستوطن منطقة العلاية من ولاية ضنك.. وقد انقرضت هذه القبيلة.. وتلاشت من الوجود.. وأصبحت أثراً بعد عين.. وسبحان الذي يغير ولا يتغير.. ويفني ولا يفنى .


وقد استقرت هذه القبيلة في هذه المنطقة منذ أمد بعيد حيث وجدت أن الشاعر الكيذاوي قد ذكر هذه القبيلة مع عدد آخر من قبائل عمان عامة وولاية ضنك خاصة في قصيدته التي مدح بها الملك فلاح بن محسن النبهاني عندما توجه لمحاربة وادي بني خالد حيث يقول في قصيدة طويلة ما يلي :
وآل وحشي جميعاً في غطارفة من آل شكر أو من آل فيلان
وفيه آل عزيز مع بني عمر مع آل حمير مع عبس وذبيان
هذا وقد شاركت هذه القبيلة - بقيادة شيخها سيف بن راشد الفيلاني وابنه الشيخ زاهر بن سيف الفيلاني وقاضيهم الشيخ العلامة خميس بن رويشد المجرفي - في توحيد عمان تحت زعامة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ( 1034هـ - 1059هـ) حيث يقول في ذلك الشيخ المؤرخ نور الدين السالمي : (وجعل –أي الإمام ناصر بن مرشد - يجمع الجيوش والعساكر فاجتمع له خلق كثير فسار بهم إلى الظاهرة وافتتح وادي فدى وأمر ببناء حصنها ونصره أهل العلاية من ضنك وكان مقدمهم الشيخ العالم خميس بن رويشد ورجال الفياليين واستقام أمره بها رغم القالين ).


كما احتضنت هذه القبيلة.. مجموعة من العلماء والأدباء والشعراء.. حيث أصبحت علاية ضنك في عهدهم.. كعبة للعلماء.. وملاذاً للأدباء والشعراء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق